يعد العراق من البلدان التي لم تصل لحد الان الى حرية الصحافة والتعبير بمعاييرها الدولية المعروفة وبمفهومها الغربي، والذي يوجد في العراق هو تعددية لوسائل الإعلام تعكس التعددية الحزبية والعرقية والدينية.
ولا تعمل هذه الوسائل بحرية كاملة وانما تواجه في العراق مضايقات من الأطراف السياسية التي هي جزء من المشهد السياسي المرتبك الذي لازال بعيدا عن الاستقرار ويعاني من التدخلات الخارجية، ولاسيما الاقليمية منها، مما جعل الصحفي يخاطر أحياناً بحياته وربما بحياة عائلته إذا غامر في كشف بعض الحقائق لاسيما ما يتعلق بالفساد المالي والإداري المتفشي.
حيث قتل في العراق لحد الآن أكثر من (700) صحفي منذ عام 2003، مما سبب في انحسار كبير للتواجد الإعلامي الدولي على صعيد الصحفيين الأجانب بسبب المخاوف من خطورة العمل في بيئة غير مستقرة امنيا.
وفيما يخص الحرية العامة للتعبير والصحافة فالنظام السياسي في العراق قد اقر ضمن دستوره الذي كفله في المادة (36).
أولا: حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل.
ثانياَ: حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر
وبالرغم من هذه الحرية التي كفلها الدستور، لكن الصحفيين العراقيين يواجهون مصاعب حقيقة من اجل تأمين تغطية إعلامية موضوعية وحيادية، فهناك تقييد لعمل المؤسسات الإعلامية ومحاولة إبعاد الصحفيين بالإكراه عن متابعة الحدث من جهات عديدة حكومية تعمل تحت لافتة حماية البلد من الخطاب الاعلامي الذي يهدد النسيج الاجتماعي ويفتت وحدة اطيافه واعراقه المختلفة، اذ قامت هيئة الإعلام والاتصالات وهي هيئة حكومية بتعليق عمل بعض القنوات الفضائية العراقية وغلق أخرى تحت هذه الذريعة او تلك.
كما نص الدستور على حرية كاملة ومطلقة للصحافة بوصفها جزءاَ أساسيا من حرية التعبير، لكن هذا النص الدستوري الذي اقُر عام (2005) لم يترجم إلى تشريع والقانون الوحيد الذي اقر هو قانون حماية الصحفيين العراقيين في عام2011 الذي تنص مادته الرابعة:
أولا: "للصحفيين حق الحصول على المعلومات والأنباء والبيانات والإحصائيات غير المحظورة من مصادرها المختلفة وله الحق في نشرها بحدود القانون"، وقد اعترض صحفيون كثيرون وناشطون في المجال الاعلامي على هذه المادة وعدوها انتهاكا لحرية التعبير بصورة عامة.
وامتد اعتراضهم ايضا الى المادة السادسة من القانون نفسه التي نصت في أولا منها انه "للصحفيين حق الإطلاع على التقارير والمعلومات والبيانات الرسمية وعلى الجهة المعنية تمكينه من الإطلاع عليها والاستفادة منها، ما لم يكن إفشاؤها يشكل ضرراً في النظام العام ويخالف أحكام القانون"، متهمين هذه المادة بانها لا تسمح بحرية كاملة للإعلام، فهي تمنع أي معلومات تنشر عن الفساد الإداري والمالي بل وتحاكم الصحفيين وفقاً لمواد التشهير الجنائي من قانون العقوبات العراقي.
اما المادة سابعاَ من القانون نفسه التي جاء فيها انه: "لا يجوز التعرض إلى أدوات عمل الصحفيين إلا بحدود القانون" فأكد المعترضون على القانون انها مادة تجيز مصادرة المعدات لشتى الأسباب.
وكذلك الحال بالنسبة للمادة ثامنا التي نصت على انه "لا يجوز مساءلة الصحفي عما يبديه من رأي أو نشر معلومات صحفية وان لا يكون ذلك سبباً للإضرار بهم ما لم يكن فعله مخالفاً للقانون"، واجمع المعترضون على ان هذه المادة لا توفر أي حماية للصحفيين، لان أي ممارسة لعمل صحفي حر هو مخالفة للقوانين.
ويضاف لهذه القوانيين أمر سلطة الائتلاف المؤقتة ذي الرقم 14 لسنة 2003 الذي يخص النشاط الإعلامي المحظور الذي منح الصلاحية لرئيس الوزراء بغلق أي وسيلة إعلامية ومصادرة معداتها وأموالها بل وسجن العاملين فيها.
لقاء أ.م.د. محسن عبود كشكول
لمواقع التواصل الاجتماعي حضور متميز في العراق ولموقع الفيس بوك تداول كبير بين العراقيين على مستوى تناول مختلف القضايا، لاسيما منها السياسة بسبب فضاء الحرية الذي ينبغي ان تكون فيه الحرية مسؤولة.
قرار السلطة القضائية الاخير بعتبار موقع الفيس بوك من وسائل الإعلام كان قراراً لايحمل الصفة القانونية.كونه ليس بمؤسسة إعلامية مسجلة على وفق القانون العراقي، هذا من جهة ومن جهة اخرى هو موقع امريكي المنشأ يقع خارج الاختصاص المكاني للقضاء العراقي.
ناهيك عن امكانيات الاختراق والسرقة لبعض الصفحات التي تضع اصحابها بمواجهة المسألة القانونية دون وجه حق.
نحن لانعترض على حق المواطن في الحماية من اي مظاهر تشويه السمعة كالسبب والشتم والقذف مثلما لانعترض ايضاعلى ضرورة حماية المجتمع من تسلل خطاب الكراهية والتطرف، لكننا نرى من حيث المبدأ ان ذلك يتعارض مع حق الوصول الى المعلومة والتجاوز على الحريات الإعلامية. فضلاَ عن خشيتنا من الاستغلال السياسي للقرار بما ينعكس سلبا على التعددية الاعلامية.
اذن لابد من وضع ضوابط موضوعية ومهنية ذات ابعاد اخلاقية للمضامين المنشورة فعند الاقرار بحق الاعلامي في معرفة كل شيء لابد من التأكيد على انه ليس من حقه قول اي شيء بل يجب اختيار المادة الإعلامية بشكل يراعي خصوصية المجتمع وطبيعة مشكلاته.