منذ نشأتها، أولت السلطة الفلسطينية اهتماما كبيرا في الجانب الاعلامي، ففي عام ١٩٩٤ أنشأت الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، ووكالة الأنباء الرسمية وفا.
بعد توقيع الاتفاق السياسي عام ١٩٩٤، قامت عدد من المبادرات في الأراضي الفلسطينية بتأسيس صحافة فلسطينيىة لأول مرة خارج سياق الاحتلال الاسرائيلي، فتأسست صحيفة باسم جريدة الأيام، وصحيفة أخرى باسم الحياة الجديدة، وصحيفة ثالثة كانت موجودة ولكنها بدأت تأخذ الطابع الفلسطيني أكثر وهي صحيفة القدس، هذه الصحف الثلاث منذ عام ١٩٩٤ شكلت مرحلة تاريخية جديدة في تاريخ الاعلام الفلسطيني المكتوب، حيث أن هذا النوع من الاعلام عاش لأكثر من ٤٠ عام تحت الاحتلال الاسرائيلي، وكان محكوم برقابة عسكرية، لم تكن هناك صحف فلسطينية مستقلة انذاك، وإنما كانت صحف تخضع للرقابة العسكرية الاسرائيلية، وينطبق عليها القانون العسكري الاسرائيلي، الذي يتحكم في العناوين والأخبار والجمل الاخباربة والصور، قبل مرحلة الاحتلال الاسرائيلي كان كما تعرفون، الاعلام الفلسطيني تحت الانتداب البريطاني، وقبله كان تحت الانتداب العثماني، وفي تلك المراحل كان الاعلام يأخذ طابع الدولة المستعمرة، التي استعمرت فلسطين، فإما أن يكون تركيا خالصا تابعا للأستانة وبالتالي إلى الحكم التركي، أو بريطانيا توجيهيا، بمعنى أنه يشبه ال BBC أو أنه إذاعة وإعلام موجه للمنطقة العربية، في الأربعة مراحل التي ذكرتها، في المرحلة العثمانية، والبريطانية، والاسرائيلية، والفلسطينية أخيرا، كان الاعلام الفلسطيني يسعى لأن يقترح قوانينه لوحده وأن يتطور بعيدا عن المؤسسة،
إلا في المرحلة الأخيرة التي حضرت فيها السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، صار بإمكاننا أن نقول بأن للفلسطينيين صحف مستقلة، رأس مالها من السلطة الفلسطينية ومن رجال الأعمال الفلسطينيين، وكوادرها أكثر استقلالية وأكثر تحررا من الرقابة من العهود السابقة، لكن هذا لا يعني أن الصحف الثلاث قطعت شوطا في حرية الرأي والتعبير، فهي إلى الان تعيش مرحلة يمكن تسميتها بالصحافة المؤسساتية، التي تحتفل بنفسها على أنها مؤسسة باقية، ولكنها لا تسجل نجاحات في حرية الرأي والتعبير وتغيير المراحل السياسية، ولا تترك بصمات كبيرة، والأمل أن يحمل المستقبل هذه التغيرات عن الصحف الفلسطينية.
اذاعة
فلسطين من الدول التي لها أسبقيات كبيرة جدا عربيا في مجال الإذاعة، ثاني إذاعة عربية كانت إذاعة هنا القدس في سنة ١٩٣٦، وكان أول رئيس لها هو شاعر وأديب ومثقف يحظى بإجماع الفلسطينيين هو ابراهيم طوقان،
في سنة ١٩٤٠ بلغ عدد الإذاعات العربية ٢٠ إذاعة، ومع ذلك كانت إذاعة هنا القدس التي تبث من القدس هي الأولى على كل هذه الإذاعات، واكتسبت كل الأدباء والكتاب العرب الذين جاؤوا لزيارة القدس من أجل بث برامجهم فيها، ومن بينهم عباس محمود العقاد، والكثير من الأغاني الجميلة التي سجلت في هذه الإذاعة في ذلك الوقت ما زالت موجودة،
هذه الأسبقيات انقطعت مع النكبة، دخلنا مرحلة أخرى وهي إذاعات الثورة الفلسطينية، التي انطقت بدءا من عمان، درعا، دمشق، بيروت، وإذاعة العاصفة، إذاعة فتح، إذاعة الجبهة الشعبية، هذه الإذاعات شكلت محرض للشعب الفلسطيني من أجل القتال، وتنقلت ما بين عدن وصنعاء والجزائر وبغداد، وأنا شخصيا عملت بها في بغداد، في إذاعة الثورة الفلسطينية، وكان فيها من خيرة الكوادر، تمكنت من انتاج النشيد الثوري بصورة رائعة جدا، ما زال يردد على ألسنة الشباب الفلسطيني الثائر حتى يومنا هذا،
انتهت هذه المرحلة مع قدوم السلطة الوطنية الفلسطينية إلى أرض الوطن، كوادر هذه الإذاعة جاؤوا إلى أريحا بداية، وشكلوا هناك إذاعة صوت فلسطين والتي ما زال بثها مستمر إلى يومنا هذا، كان هنالك تحد كبير أمام هؤلاء، الانتقال من السياسة التحريضية والنفس الثوري إلى نفس الخدمة المجتمعية للشعب الفلسطيني، رغم صعوبة الانتقال إلا أن هذه الإذاعة تمكنت من اكتساب أسماع الفلسطينيين لفترة طويلة جدا، بعد ذلك دخلت إذاعات كثيرة في منافسة معها، الان يبلغ عدد الإذاعات الفلسطينية المرخصة والتي تعمل في هذه البقعة الجغرافية الصغيرة ما يزيد عن ٨٠ إذاعة، وبالتالي حجم التنافس شديد جدا على جمهور عدده قليل جدا، فإذا الشعب الفلسطيني الان موزع في الاستماع على أكثر من ٨٠ إذاعة من بينها إذاعة صوت فلسطين الرسمية، ما زالت تحظى بموقع ربما الثاني أو الثالث، هناك أجيال، هناك راية أف أم، وهناك إذاعة ٢٤ أف أم، والكثير الكثير من الإذاعات الفلسطينية، بعضها مسموع على مستوى منطقة جغرافية محددة، كبيت لحم ٢٠٠٠، أو كراديو رام الله، وبعضها مسموع على مستوى الوطن بشكل عام، إذا التنافسية هائلة جدا، التعددية كبيرة جدا، ولكن ميزانيات ضعيفة من أجل العمل، وبالتالي ما يحكم الاعلام الفلسطيني كصناعة ربما هو رأس المال وضعفه.
تلفزيون
مع بدايات قدوم السلطة الوطنية الفلسطينية تم إنشاء تلفزيون فلسطين، ولكن بصراحة كانت البدايات بكوادر من خلفية إذاعية، وليست من خلفية فنون بصرية، فكانت البداية ضعيفة،
وطبعا انشاء تلفزيون في عام ١٩٩٥ هو ازدهار للعمل الفضائي، أي مواطن فلسطيني يتمكن من مشاهدة مئات القنوات الفضائية، وبالتالي كان التنافس شديد، بل وشديد جدا، الاجراءات الاحتلالية كانت تحول دون وصول الكثير من المعدات، موازنة السلطة الوطنية الفلسطينية كانت ضعيفة، لا تؤهله لاكتساب كوادر مهمة في مجال العمل التلفزيوني، فمع الأسف، بقي التطور في مجال الكادر البشري محكوم دائما بهجرة الكوادر والكفاءات، أين ما يتواجد فلسطيني يتمكن من أن يصبح كفاءة وكادر مهم في مجال العمل التلفزيوني كان يهاجر من تلفزيون فلسطين ويذهب للفضائيات العربية نتيجة وجود أجور عالية جدا،
من الملامح الاخرى للعمل التلفزيوني في فلسطين، إلى جانب التنافسية الشديدة، أن هذه صناعة مرتبطة بالمال، والمال تقريبا يكاد أن يكون غير متوفر،
والمجال الاخر الذي من الممكن التحدث به هو التنافس السياسي الكبير جدا، والاستقطاب الحاد في الشارع الفلسطيني، أدى لأن تتواجد لدينا ١٣ فضائية فلسطينية، وهذا يحسب للسلطة الفلسطينية، لأن هذا التنوع والتعدد هو أساس للديمقراطية، ولكن هذا التنوع والتعدد قائم على أساس سياسي حزبي بكل أسف، حاجتنا كفلسطينيين هو أن يكون التلفزيون الرسمي هو تلفزيون عمومي، بمنطق أن من يدفع أجور العاملين فيه هو الشعب، وأن من يراقب على أعماله هو البرلمان الفلسطيني، وأن يحظر على هذا التلفزيون من أن يعمل في مجال الدعاية والاعلان، للأسف هذا غير متحقق، هناك بوادر لتحول الإعلام الرسمي الفلسطيني إلى إعلام عمومي يخدم مواطنيه، ويمول من مواطنيه، ويحظر عليه العمل في الدعاية، ويكون أيضا مساءل من قبل البرلمان، هذا ما نطمح له، وما هو جاري العمل من أجله، وجاري العمل أيضا على تقديم سلة القوانين الناظمة لعمل الاعلام، إضافة إلى لوائح التنظيم الذاتي.