Palestine – Society & Areas of Conflict – Script (ar)


من الطبيعي أن يتأثر أي إعلام في العالم بالبيئة التي نشأ فيها، والإعلام الفلسطيني له خصوصية في ذلك كونه يعمل تحت سطوة الاحتلال الذي يضيق عليه، ويحاول إبعاده عن نقل الحقيقة.

فلسطين تحديدا هي تجربة مميزة على مستوى العالم كله، لم تكن في يوم من الأيام، أو حتى إلى يومنا هذا في ٢٠١٦ دولة مستقلة، وبالتالي حرمت من فرص كثيرة في مواكبة الدول الاخرى والدخول على معيار مدى تقدم الاعلام كدولة،

ومع ذلك هناك أسبقيات كثيرة للفلسطينيين ولفلسطين في مجال الإعلام في كافة أشكاله، أتذكر من قراءاتنا لكتب التاريخ أنه وفي عام ١٩٠٨م كانت هناك جريدة فلسطينية، ومن المفارقات حتى على مستوى الوطن العربي ودول المنطقة أنه كانت بها زاوية للنساء، تكتبها سيدة تدعى ساذج نصار، وهذه السيدة هي أول سيدة عربية يحكم عليها الانتداب البريطاني بالسجن لمدة ستة أشهر، مستوى الوعي الصحفي في تلك الفترة هو أن زوجها هو مالك الجريدة “بديع نصار” قال لها في رسالة أرسلها لها: “إذا لم أدخل التاريخ بسبب تأسيسي لل”كرمل” سأدخل التاريخ بسبب زوجتي، والتي كانت أول سيدة يعتقلها الانتداب البريطاني. “، فاعتقلت لأسباب صحفية،

ساذج بديع نصار، فباعتقادي هذه إحدى الأسبقيات، هناك أسبقيات اخرى في مجال الإذاعة كفلسطين رغم أنه لم نكن في يوم من الأيام دولة مستقلة، من هذه الأسبقيات مثلا أن إذاعة “هنا القدس” التي نشأت عام ١٩٣٦م كانت ثاني إذاعة على مستوى الوطن العربي، كانت الإذاعة الثانية في الوطن العربي، وعملت في هذه الإذاعة سيدة كانت ثالث مذيعة عربية هي “فاطمة البديري”، لم يكن هناك قبلها مذيعات،

باعتقادي هذه الأسبقيات في الإعلام الفلسطيني كانت ممتازة جدا، انقطعت مع الإعلام البريطاني ، انقطعت مع الانتداب البريطاني، انقطعت مع النكبة، انقطعت مع النكسة فيما بعد، ولكن حافظ الفلسطينيون على تواجد اعلامي بارز من خلال كوادرهم في الإذاعات العربية الاخرى،

أما على صعيد الفنون البصرية بشكل عام، كانت هناك أسبقيات ولكن بسيطة جدا، إحدى تلك الأسبقيات أنها تكاد تكون أول سيدة عربية تمارس التصوير الفوتوغرافي كمهنة هي “كريمة عبود”، تتواجد بعض من أعمالها الان في مدينة “الناصرة”، وهذا في وقت مبكر جدا، كان هناك أيضا أول مخرجة تخرج أفلام وتمارس التصوير الحربي في الميدان أيضا سيدة فلسطينية، وهي أول عربية تدرس الإخراج السينمائي هي “سلافة جاد الله”، والتي صورت معارك كأيلول الأسود مثلا.

لوقوع الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، هذا له المجال الأوسع في التغطية، الأخبار السياسية والأخبار الميدانية واعتداءات الاحتلال على الشعب الفلسطيني هي الحاضر الأكثر في التغطية الصحفية الفلسطينية وذلك بصرف النظر عن طبيعة الوسيلة الإعلامية، مطبوعة أو مرئية أو مسموعة أو الكترونية،

ولكن هذا لا يعني أن الجوانب الأخرى، الجوانب المحلية، الاقتصادية، ليست مغطاة، هناك تميز في “الحياة الجديدة” في مواضيع التحقيقات الصحفية وفي الجانب الاقتصادي، وسائل الاعلام الاخرى أيضا لها لمستها الخاصة في ذلك، ولكن كما قلنا الاحتلال، ممارسات الاحتلال، قمع الاحتلال للشعب الفلسطيني بشكل عام وللصحفيين بشكل خاص له حضوره وأثره على  طبيعة الرسالة الاعلامية، وشكل الرسالة الاعلامية الفلسطينية، الصحفي الفلسطيني ليس بمعزل عن الشعب، فهو معتدى عليه ضمن اعتداءات الاحتلال على الشعب الفلسطيني، لذلك هو حاضر أيضا، حاضر في الصورة وراء الكاميرا، وأحيانا كثيرة أمام الكاميرا كضحية.

في مقارنة واقع الاعلام الفلسطيني مع الواقع الاعلامي في محيط اخر، عندما نقول واقع إعلامي يجب أن نشطب (نزيل) واقع إعلامي ونضع واقع سياسي، واقع اجتماعي، واقع ثقافي، تلقائيا ستقفز هذه المضامين إلى الإعلام، ليس المفهوم التقليدي بل بصفته معيار للحالة الوجدانية والثقافية وحالة حركة الوعي،

الإعلام في النهاية يعيد إنتاج حركة الوعي كميثاق صوري أو ميثاق لغوي، وحركة الوعي هذه ليست مصطلح ايجابي أو مصطلح سلبي، هو مفهوم كيف تتشكل الأشياء، كيف يرى الناس أنفسهم سياسيا، سترى مثلا في بعض المحيطات أن البعد الطائفي حاضر جدا، لأنه بعد اجتماعي، لدينا الحاضر هو البعد السياسي التنظيمي لأن التنظيمات أعادت استنساخ الطوائف، في محيط اخر ستجد صراع شركات، محيط ذو طابع ليبرالي أو رأس مالي،

في النهاية استبدالات الشركات للطوائف، يؤكد أن الإعلام يعمل ضمن بنية واحدة، ستكون مثلا في حالة الشركات الدعاية والإشهار أكثر، والعقيدة الكبرى للناس في نموذج كوكا كولا وبيبسي مثلا، سنجد الحالة الطائفية هنا تلقائيا عندما ترى لوغو أي قناة توحي لك إلى طائفة دون أن ترى مضمونها، في فلسطين عندما ترى شعار أو نشرة أخبار تعلم أن هذه القناة خاضعة لتنظيم أو لجماعة سياسية ما،

أزمة الإعلام العربي أنه انتقل من الحالة التاريخية التي يجب أن تنضج إلى حالة خدماتية، والإعلام في النهاية هو حالة خدماتية رغبوية، هذا الإعلام حول القضايا السياسية والقضايا الثقافية والقضايا اللاستهلاكية كلها إلى مفهوم متشابه، هي حالة رغبوية انفعالية، هكذا في المحيط، ولكن الخصوصية الفلسطينية أنها في حالة صراع مع الاحتلال، هذا هو الجانب فقط الذي ربما يفارق فيه الفلسطينيون العالم العربي،

وللأسف إذا أقمت إحصائية كمية أو نوعية لمضمون الخطاب الاعلامي الفلسطيني ستجد أن أكثر من النصف موجه، يعكس الرأي الاجتماعي السياسي الداخلي، ربما أكثر مع النقيض من مع الاحتلال،

ذروة هذا الصراع تطور في الصراع الفلسطيني الذي أدى إلى انقسام فلسطيني وإلى مواجهة مسلحة عنيفة، لاحظ الان في موضوع علاقة النقيض مع الاحتلال لا يوجد تركيز في القضايا الجوهرية، الحدود، أو القدس، أو اللاجئين، هناك تركيز على أولويات لها علاقة بالسلطة في انقسام فلسطين سواء كان في الضفة أو في غزة، والكارثة أيضا أن تجربتنا الاعلامية تمارس أشبه ما يمكن القول عليه تبييض أموال سياسي أو تبييض واقع سياسي بشكل أو باخر.